كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يرى الشافعي أن اللّه تعالى أثبت الصدقات لهؤلاء الأصناف دفعا لحاجتهم، وتحصيلا لمصلحتهم، فالمقصود من دفع الزكاة سد الخلة، ودفع الحاجة، فيعطى الفقير والمسكين ما يسد خلته، ويدفع حاجته.
ويرى أبو حنيفة ومالك أن الآية ليس فيها تحديد مقدار ما يعطى كل واحد منهم، وقد علمنا أنه لم يرد بها تفريق الصدقة على الفقراء على عدد الرءوس لامتناع ذلك وتعذره، فثبت أنّ المراد دفعها، إلى بعض أيّ بعض كان. ومعلوم أنّ كل واحد من أرباب الأموال مخاطب بذلك، فاقتضى ذلك جواز دفع كل واحد منهم جميع صدقته إلى فقير واحد، قلّ المدفوع أو كثر، فثبت بظاهر الآية جواز دفع المال الكثير إلى واحد من الفقراء من غير تحديد للمقدار، وإنما كره أبو حنيفة أن يعطى إنسان مائتي درهم، لأن المائتين هي النصاب الكامل، فيكون غنيا مع تمام ملك الصدقة، ومعلوم أنّ اللّه تعالى إنما أمر بدفع الزكوات إلى الفقراء لينتفعوا بها ويتملكوها، فلو أعطى الفقير مئتي درهم فإنّه لا يتمكن من الانتفاع بها إلا وهو غني، فكره أبو حنيفة من أجل ذلك دفع النصاب الكامل إلى إنسان واحد.
الصنف الثالث: العاملون عليها وهم السعاة لجباية الصدقة، ويدخل فيهم الحاشر، والعريف، والحاسب، والكاتب، والقسّام وحافظ المال، ويعطى العامل عند الحنفية والمالكية ما يكفيه ويكفي أعوانه بالوسط مدة ذهابهم وإيابهم ما دام المال باقيا، وإذا استغرقت كفايتهم الزكاة، فالحنفية لا يزيدونهم على النصف.
وعند الشافعية يعطون من سهم العاملين- وهو الثمن- قدر أجرتهم، فإن زادت أجرتهم على سهمهم تمم لهم، قيل: من سائر السهمان، وقيل: من بيت المال.
وهذا الذي ذهب إليه الشافعي هو قول عبد اللّه بن عمر وابن زيد، وقال مجاهد والضحاك: يعطون الثمن من الصدقات، وظاهر الآية معهما.
وفيما يعطاه العاملون شبه بالأجرة وشبه بالصدقة.
فبالاعتبار الأول حل إعطاء العامل الغني، وسقط سهم العامل إذا أدى الزكاة رب المال إلى الإمام أو إلى الفقراء.
وبالاعتبار الثاني: لا تحل للعامل من آل البيت، ولا لمولاهم، ولا لغير المسلم. فعن ابن عباس أنه قال: بعث نوفل بن الحارث ابنيه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: انطلقا إلى عمكما، لعله يستعملكما على الصدقة، فجاءا فحدثا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بحاجتهما، فقال لهما: «لا يحل لكم أهل البيت من الصدقات شيء، لأنها غسالة الأيدي، إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم».
وروي عن علي أنه قال للعباس: سل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يستعملك على الصدقة، فسأله فقال: «ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس».
وأبى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يبعث أبا رافع- مولاه- عاملا على الصدقات وقال: «أما علمت أن مولى القوم منهم».
وأخذ بعض العلماء من قوله تعالى: {وَالْعامِلِينَ عَلَيْها} أنه يجب على الإمام أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة. وتأكّد هذا الوجوب بعمل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والخلفاء من بعده.
ففي الصحيحين من رواية أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استعمل ابن اللتبية على الصدقات.
وروى أبو داود والترمذي عن أبي رافع مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ولّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال: اتبعني تصب منها. فقلت: حتى أسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألته فقال لي: «إن مولى القوم من أنفسهم».
والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
ويدل على الوجوب أيضا أن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه، ومنهم من يبخل، فوجب أن يبعث الإمام من يأخذ الزكاة.
ولا يبعث إلا حرا عدلا فقيها يستطيع أن يجتهد فيما يعرض من مسائل الزكاة وأحكامها.
ويدل قوله تعالى: {وَالْعامِلِينَ عَلَيْها} على أنّ أخذ الصدقات إلى الإمام وأنه لا يجزئ ربّ المال أن يعطيها المستحقين، لأنه لو جاز لأرباب الأموال أداؤها إلى المستحقين لما احتيج إلى عامل لجبايتها، فيضر بالفقراء والمساكين، فدل ذلك على أن أخذها إلى الإمام، وتأكد هذا بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً} لكن ربما يعارضه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)} [المعارج: 24، 25] فإنه إذا كان ذلك الحق حقا للسائل والمحروم وجب أنه يجوز دفعه إليهما ابتداء.
من أجل ذلك ترى للعلماء تفصيلا في أموال الزكاة: فإن كان مال الزكاة باطنا فقد أجمعوا على أن للمالك أن يفرقها بنفسه، كما أنّ له أن يدفعها إلى الإمام، وإن كان مال الزكاة ظاهرا كالماشية والزروع والثمار فجمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار على أنّه يجب دفعها إلى الإمام، فإن فرقها المالك بنفسه لم يحتسب له بما أدى، وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية، وقول من قولي الشافعي عملا بظاهر قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً} ولأن الزكاة مال للإمام فيه حق المطالبة، فوجب الدفع إليه كالخراج والجزية، وقال الشافعي في الجديد: يجوز أن يفرقها بنفسه، لأنها زكاة، فجاز أن يفرقها بنفسه كزكاة الباطن.
الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم قال العلماء: المؤلفة قلوبهم ضربان: مسلمون وكفار، فأما الكفار فقد كانوا يتألفون لاستمالة قلوبهم إلى الدخول في الإسلام، ولكف أذيتهم عن المسلمين، وقد ثبت أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أعطى قوما من الكفار يتألف قلوبهم ليسلموا. ففي صحيح مسلم أنه أعطى صفوان بن أمية من غنائم حنين، وصفوان يومئذ كافر.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما قسّم من غنائم حنين للمتألفين من قريش وفي سائر العرب وجد هذا الحيّ من الأنصار في أنفسهم، وأنّه قال لهم: «أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قواما ليسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم اللّه لكم من الإسلام».
واختلف العلماء في إعطاء الكفار من سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة، فروي عن الحسن وأبي ثور وأحمد أنهم يعطون، وهو قول عند المالكية.
وذهب الحنفية والشافعية وأكثر العلماء: إلى أن إعطاءهم إنما كان في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أول الإسلام في حال قلة عدد المسلمين، وكثرة عدوهم، وقد أعزّ اللّه الإسلام وأهله، واستغنى بهم عن تألف الكفار، ولذلك فإنّ الخلفاء الراشدين رضي اللّه عنهم بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يعطوهم، وقال عمر رضي اللّه عنه: إنا لا نعطي على الإسلام شيئا، {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.
وأجابوا عن الحديث بأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أعطاهم من خمس الخمس وكان ملكا له خالصا يفعل فيه ما يشاء، أما الزكاة فلا حق فيها للكفار.
وأما المسلمون من المؤلفة قلوبهم فهم أصناف: صنف لهم شرف في قومهم يطلب بتألفهم إسلام نظائرهم. وصنف أسلموا ونيتهم في الإسلام ضعيفة، فيتألفون لتقوى نيتهم ويثبتوا.
ففي صحيح مسلم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أعطى أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن لكل واحد منهم مئة من الإبل، وأعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم أيضا لشرفهما في قومهما.
وصنف ثالث: وهم قوم يليهم جماعة من الكفار إن أعطوا قاتلوهم.
وصنف رابع: وهم قوم يليهم قوم من أهل الزكاة إن أعطوا جبوها منهم. وقد ثبت أن أبا بكر أعطى عدي بن حاتم حين قدم عليه بزكاته وزكاة قومه عام الردة.
وقد اختلف العلماء في المؤلفة قلوبهم من المسلمين، فذهب الحنفية إلى أنّ سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط بعد وفاته صلّى اللّه عليه وسلّم سواء أكانوا من الكفار أم من المسلمين، لأن المعنى الذي لأجله كانوا يعطون قد زال بإعزاز الإسلام واستغنائه عن تأليف القلوب واستمالتها إلى الدخول فيه، وذهب إلى هذا كثير من أئمة السلف، واختاره الروياني وجمع من متأخري أصحاب الشافعي، وعلى هذا يكون عدد الأصناف سبعة لا ثمانية.
والمنقول عن نص الشافعي وأصحابه المتقدمين أن حكم المؤلفة قلوبهم من المسلمين لا يزال معمولا به، وهو قول الزهري وأحمد، وإحدى الروايتين عن مالك.
والآية في ظاهرها يشهد لهم.
واختلف القائلون بسقوط سهم المؤلفة في توجيه رأيهم، مع أن الآية في ظاهرها جعلت للمؤلفة قلوبهم نصيبا من الزكاة، فقال صاحب الهداية من الحنفية: إن هذا الصنف من الأصناف الثمانية قد سقط، وانعقد إجماع الصحابة على ذلك في خلافة الصديق رضي اللّه عنه، وحينئذ يكون هذا الإجماع أو مستنده ناسخا للآية في صنف المؤلفة.
وقال آخرون في وجه سقوطه: إنه من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته، كانتهاء جواز الصوم بانتهاء وقته وهو النهار.
الصنف الخامس: ما أشار إليه بقوله: {وَفِي الرِّقابِ} في قوله تعالى: {وَفِي الرِّقابِ} محذوف، والتقدير: وفي فك الرقاب. واختلف أهل العلم في تفسير الرِّقابِ فقال عليّ كرم اللّه وجهه وسعيد بن جبير والزهري والليث بن سعد والشافعي وأكثر العلماء: يصرف سهم الرقاب إلى المكاتبين.
وقال مالك وأحمد: يشترى بسهمهم عبيد ويعتقون، ويكون ولاؤهم لبيت المال.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة، ولكن يعطى منها في رقبة، ويعان بها مكاتب.
وقال بعض العلماء: يفدى من هذا السهم الأسارى.
وحجة الشافعي وموافقيه أن قوله تعالى: {وَفِي الرِّقابِ} كقوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} وهناك يجب الدفع إلى المجاهدين، فكذا هنا يجب الدفع إلى الرقاب، ولا يمكن الدفع إلى الشخص الذي يراد فك رقبته إلا إذا كان مكاتبا، ولو اشترى بالسهم عبيدا لم يكن الدفع إليهم، وإنما هو دفع إلى سادتهم، وانتفاعهم بالعتق ليس تمليكا، لأنّ العتق إسقاط.
وقد روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال: قوله: {وَفِي الرِّقابِ} يريد المكاتبين. وتأكد هذا بقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ} [النور: 33].
وحجة المالكية أن الرقاب جمع رقبة، وكل موضع ذكرت فيه الرقبة فالمراد عتقها، والعتق والتحرير لا يكون إلا في القن، كما في الكفارات فلابد من عتق رقبة كاملة ملكا ويدا، وحجة الحنفية أن قوله تعالى: {وَفِي الرِّقابِ} يقتضي أن يكون للمزكي مدخل في عتق الرقبة، وذلك ينافي كونه تاما فيه.
ومن قال بفك الأسارى من سهم الرقاب يرى أن المراد تخليص المسلم من حال النقص وفداء مسلم وتخليصه من أيدي الكفار أولى من عتق مسلم تملكه يد مسلمة.
ولا نعلم خلافا في أنه لا يجوز إعطاء المكاتب الكافر، ولا عتق قن كافر.
والقائلون بإعطاء المكاتب شرطوا فيه الحاجة، فإن حل عليه نجم ولم يكن معه ما يؤديه أعطي مقدار النجم أو ما يكمله، وإن كان معه ما يفي بالنجم لم يعط شيئا.
قال الشافعي وأصحابه: يجوز صرف الزكاة إلى المكاتب بغير إذن سيده، ويجوز الصرف إلى السيد بإذن المكاتب، ولا يجوز الصرف إلى السيد بغير إذن المكاتب، والأولى صرفها للسيد بإذن المكاتب، لأن اللّه تعالى أضاف الصدقات للأصناف الأربعة الذين تقدّم ذكرهم باللام، ولما ذكر الرقاب أبدل حرف اللام بحرف في فقال: {وَفِي الرِّقابِ} فلابد لهذا العدول من فائدة وهي أنّ الأصناف الأربعة الأول يدفع إليهم نصيبهم من الصدقات على أنه ملك لهم، يتصرفون فيه كما شاءوا. وأما المكاتبون فيوضع نصيبهم في تخليص رقبتهم من الرق، فكان الدفع إلى السادات محققا للصرف في الجهة التي من أجلها استحق المكاتبون سهم الزكاة، وكذلك القول في الغارمين يصرف المال إلى قضاء ديونهم، وفي الغزاة يصرف المال إلى إعداد ما يحتاجون إليه، وابن السبيل يعطي ما يعينه في بلوغ مقصده.
الصنف السادس: الغارمون أصل الغرم في اللغة اللزوم، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ عَذابَها كانَ غَرامًا} [الفرقان: 65] والغريم يطلق على صاحب الدين، وعلى المدين لملازمة كل منهما صاحبه.
وأما الغارم فهو الذي عليه الدين، لأنه التزمه وتكفل بأدائه. ولم يختلف العلماء أن الغارمين هم المدينون، وأما قول مجاهد: الغارم من ذهب السيل بماله أو أصابه حريق فأذهب ماله فمحمول على أنه أراد من ذهب ماله وعليه دين. وأما من ذهب ماله وليس عليه دين فإنّه لا يسمى غريما، وإنما يسمى فقيرا أو مسكينا.
وظاهر الآية أن المدين يعطى مطلقا سواء أوجد وفاء لدينه أم لا، وسواء استدان لنفسه أم لغيره، وسواء أكان دينه في معصية أم لا.
ولكن الحنفية يخصصون الغريم بمن لا يملك نصابا فاضلا عن دينه، وحجتهم في ذلك قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «وأردها في فقرائكم».